سورة التوبة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


ليس هذا تخييراً لهم، ولا إذْناً لهم، ولا إذْناً في إيثارِ الحظوظِ على الحقوقِ، ولكنه غاية التحذير والزَّجر عن إيثار شيءٍ من الحظوظ على الدِّين، ومرورُ الأيام حَكَمٌ عَدْلٌ يَكْشِفُ في العاقبة عن أسرار التقدير، قال قائلهم:
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ *** أَفَرَسٌ تحتك أم حمار
ويقال علامةُ الصدقِ في التوحيد قطعُ العلاقات، ومفارقهُ العادات، وهجران المعهودات والاكتفاءُ بالله في دوام الحالات.
ويقال مَنْ كَسَدَت سوقُ دِينِه كَسَدَتْ أسواقُ حظوظه، وما لم تَخْلُ منك مَنَازِلُ الحظوظ لا تعْمُرُ بك مَشَاهِدُ الحقوق.


قوله جلّ ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرةٍ}.
النصرة من الله تعالى في شهود القدرة، والمنصورُ مَنْ عَصَمه الله عزَّ وجلَّ عن التوهُّم والحسبان، ولم يَكِله إلى تدبيره في الأمور، وأثبته الحقُّ- سبحانه- في مقام الافتقار متبرياً عن الحَوْل والمُنَّة، مُتَحَقِّقاً بشهود تصاريف القدرة، يَأْخُذُ الحقُّ- سبحانه- بيدِه فيخرجه عن مهواة تدبيره. ويوقفه على وصف التصبُّر لقضاء تقديره.
قوله جلّ ذكره: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بشمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}.
يعني نَصَرَكم يومَ حُنَيْن حين تَفَرَّقَ أكثرُ الأصحاب، وافترت أنياب الكَرَّةِ عن نِقاب القَهْر فاضطربت القلوبُ، وخانت القوى أصحابَها، ولم تُغْنِ عنكم كَثْرتُكم، فاستخلص اللهُ أسرارَكم- عند صدق الرجوع إليه- بِحُسْنِ السكينةِ النازلة عليكم، فَقَلَبَ اللهُ الأمرَ على الأعداء، وخَفَقَتْ راياتُ النصرة، ووقعت الدائرةُ على الكفار، وارتدَّتْ الهزيمةُ عليهم فرجعوا صاغرين.


السكينةُ ثَلَجُ القلب عند جريان حُكْم الربِّ بنعت الطمأنينة، وخمودُ آثار البشرية بالكلية، والرضاءُ بالبادي من الغيب من غير معارضةِ اختيارٍ.
ويقال السكينة القرار على بساط الشهود بشواهد الصحو، والتأدب بإقامة صفات العبودية من غير لحوق مشقة، وبلا تحرُّكِ عِرْقٍ لمعارضةِ حُكْم. والسكينة المنزلةُ على {المُؤْمِنِينَ} خمودُهم تحت جريان ما وَرَدَ من الغَيْبِ من غير كراهةِ بنوازع البشرية، واختطافُ الحقِّ إياهم عنهم حتى لم تستفزهم رهبةٌ من مخلوق؛ فَسَكَنَتْ عنهم كلُّ إرادةٍ واختيار.
{وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} من وفور اليقين وزوائد الاستبصار.
{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالتطوح في متاهات التفرقة، والسقوط في وهدة ضيق التدبير، ومِحنَةِ الغَفْلَةِ، والغَيْبَةِ عن شهود التقدير.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11